مُعضِلة “العصبية” في الدين والتدين

قولك الأمازيغي والقوقازي والزنجي والمغولي والهندي والفارسي والرومي والإغريقي، مجرد مصطلحات لا تحمل ظاهريا إلا الوصف دون حكمٍ مصاحبٍ لمدح أو ذم، إلا أن بعض الأحكام والأوصاف السلبية قد يرد في الأذهان. ولعل هذا ما يُعرف بعصبية. فالعصبية هي الانتصار لأمر ما بوعي أو بغير وعي، انتصارا يؤدي إلى التقليل من شأن الغير واحتقاره من الوهلة الأولى دونما برهان قائم. وقد يطلق عليها أيضا “حمية” وذلك اعتبارا للقوة الغضبية المتولدة من الحكم شعورا بضرورة الترفع أو الإباء. ومن مصطلحاتها “عنصرية” إشارة إلى نوع العصبية في مقابل العصبيات الأخرى، ومثله “عرقية” أو “قومية”. ومن مصطلحاتها “جاهلية” من مبدأ الحكم الأخلاقي برفض هذه الظاهرة لدى العقلاء. صور العصبية المبدأ المكوّن للعنصرية هو الضابط المحدِّد لصور العصبية، وعليه يمكن اعتبار الصورة الآتية منها: العصبية العرقية: وذلك بإعطاء النفس حكمَ الأفضلية، في حين يتمتع الغير بالنقص والدونية، وقد لا يشعر الإنسان بمثل هذه العنصريات إذا ما ترضّع عليها وتشبع بها وأصبحت جزءا من “الأنا” ومن ماهيته. ولعل مصطلح “العصبية الطائفية” يحمل الدلالة نفسها. عصبية الجنس: وذلك باعتبار أن جنس المرأة أفضل من جنس الرجل مطلقا، أو العكس، دون اعتبار أن الحياة لا تتماشى إلا بالاثنين، وأنه لا حكمة من إطلاق الأفضلية المطلقة التي يتبعها إنزال مكانة الآخر والنظرة الدونية، ومثله إطلاق حكم أفضلية العين اليمنى على اليسرى، أو الرجل الأيمن على الأيسر!! ويقال في هذا “فضل الله بعضهم على بعض” وهذا لا يحمل دلالة الأفضلية المطلقة؛ بأن المرأة أفضل من الرجل أو هو أفضل منها، فهي أفضل في شيء، على أنه أفضل في شيء آخر، وذاك تكملة للخلق واستجابة لمتتطلبات الحياة، فليس الذكر كالأنثى، كما أنه ليس الأنثى كالذكر!! ويقال مثل هذا في فضائل الصحابة ومكة والمدينة والشام واليمن وغيرهما من البقعة المشهورة والمعروفة زمن النبي عليه السلام؛ فأتى فيها أحاديث، كما يقال هذا في أفضلية الأنبياء بعضهم على بعض! العصبية الدينية: مفهوم اعتناق دين معين دون غيره يعني قناعة المتدين بأن ما هو عليه هو الدين الوحيد الصحيح، ولا غبار في هذا، لكن الإشكالية أن يحمله هذا على هدر وسحب حق اختيار الدين -الذي تمتّع هو به- من غيره جاعلا نفسه موقف الفصل، ومتخذا دورَ الله في الحكم بينهم يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون. العصبية المذهبية: بل وقد يتخذ ما مضى صورا أخرى داخل الدين الواحد نفسه، فلا يرى الإنسان الحق إلا داخل محيط الطائفة التي شاء القدر أن يُدَرٍّسه أحدُ مشايخها، أو حالفه الحظ بأن تربى وسط محيط طائفي معين فتشبع بما فيه من فكر وأدلة، دونما طرح لأسئلة عكسية أو التفكير النقدي لما وجد عليه آباءه. العصبية السياسية: ومثل ما مضى ينطبق على هنا، فمن ناصر مجموعة أو حزبا سياسييا عماء في حالتي الحق والباطل فقد يصح وصفه بالعصبية. صلة الرحم، الوطنية، والعنصرية إذا كان الالتفاف حول مبدأ ما وحمايته والذود عنه هو العصبية فلعل ذاك يوجب بيان العلاقة بينها وبين صلة الرحم، وحب الوطن. حثُّ الإسلامِ على صلة الرحم بالسؤال عن أحوالهم وتقريبهم والتضامن معهم ومساعدتهم والسعي في أمورهم يكون في نطاقه، دون إحقاق باطل أو إبطال حق، ويتحوّل الأمر إلى عصبية بمجرد ذاك. وكذا حب الوطن والسعي إلى خدمته والذود عنه والاستشهاد دونه من أسمى مطالب الإسلام؛ لكن بحقه. ومن هنا فإن من العصبية ما قد يكون إيجابيا إذا كان عنصر لقاء على مبدأ عدل وخير، ويخلق بها شوكة وقوة ومنعة دون احتقار الآخر والتقليل من شأنه وإعطائه حقه المستحق، وقد تكون العصبية جاهلية إذا ضمنت الاحتقار والتنابز بالألقاب وضياع حق الغير لمجرد اختلافه عنا في اللون والعرق والدين والجنس والجنسية، وهذا سر تقييده في الحديث “حمية الجاهلية.” وغيرها مقبولة لو سُميت عصبية لغةً. العنصرية في الأديان لعله يمكن تقسيم الأديان بالنظر إلى العنصرية العرقية إلى ثلاثة: دين قائم على العنصرية: ثمة دين لا يقوم إلا على عرقية، فلا يمكن أن يتبع ذاك الدين من آمن بمعتقداته إذا فقد شرط “القومية” المعروف بالعهد الإبراهيمي الذي ارتبط بالأفضلية العرقية لا العملية واتباع دين الله. دين يتبنى العنصرية: دين يقسم الناس إلى طبقات وفق حالتهم المادية، ووفق وظائفهم الاجتماعية، وذلك إيمانا منه بأن هذه الحالات هي نتيجة أعمال الإنسان في حياة سابقة، فَجُوزيَ به في حياته الثانية، وارتبط ذاك بمفهوم “كارما.” والناس في ذاك الدين على أربع طبقات لا يجوز للطبقة العليا التزاوج مع الطبقة السفلى تدينا!! أديان مناهضة للعنصرية ابتداء: وثمة أديان ترفض النظرة العنصرية ولا تؤمن بما سبق، ويرى أن الأفضلية مرتبطة بالعمل، وأن الأصل المساواة؛ من منطلق أبوة آدم للجميع. العنصرية في التدين لكن يجد المتتبع أن بعض التفسيرات الدينية في هذه الأديان قد يكون ميلا عن الأصل المتفق عليه بتفسير بعض النصوص من منطلق عصبي، ومن هنا رغم رفض الدين العنصريةَ وشنِّه الحرب عليها إلا أنك تجد تفسيرات عنصرية في بعض كتابات هذا الدين؛ ظنا منهم أنه التدين، والتدين منه بعيد، فهي عادات اجتماعية وعرفية جاهلية. ومثله في الإمامة والزواج والكفاءة وتولي المناصب. أخيرا، تناول مثل هذه الموضوعات الحساسةِ حساسةٌ، لكن لا يمكن تجاهلها إذا ما سعى الإنسان نحو النظرة التكاملية الواسعة للدين الإسلامي الحنيف، وأراد التغيير الجذري. والقاعدة التي أضعها أمامك هي: “الأحسن عملا هو الأفضل” “الأنفع للناس هو الأخير” “الأتقى هو الأكرم.” وهم من يستحقون الإمامة وقيادة الأمة.

 

تابع القراءة هنا: http://africansmajma.com/2015/11/10/%D9%85%D9%8F%D8%B9%D8%B6%D9%90%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D9%86/ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.