بقلم معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور محمد بن خليفة التميمي
لا يخفى على المتتبِّع للأحداث الراهنة مدى الرعونة التي تتعامل بها إيران مع جيرانها، مخالفةً بذلك الأعراف والقيم المتعارف عليها في الأوساط الديبلوماسية، بل وصل الأمر بها إلى عدم احترام حقوق الجوار، والتدخل السافر في شؤون الدول، والتمادي في زعزعة استقرارها، ولكن قد يزول «التعجب» كما يقول القائل: إذا عُرف السبب بطل العجب. فالمنطلقات التي تنطلق منها السياسة الإيرانية هي منطلقات حمقاء خرقاء، بُنيت على وهم كبير «عشعش» في أذهان زعمائهم الممسكين بزمام الأمور في طهران، فالعقلية التي يعيش عليها أرباب السياسة هناك هي عقلية استبدادية إقصائية استعلائية توسعية، تسيِّرها عقول، تريد فرض هيمنتها على العالم أجمع، وحين تسليط الضوء على تلك العقول نجد كيف أن المرشد الأعلى قد اتخذ لنفسه مقام الحاكم للعالم تحت ذريعة ولاية الفقيه، التي تجعله في مقام الأنبياء، كما يقول الخميني في صحيفة النور 10 /25: «إن ولاية الفقيه هي عين ولاية الرسول». وأن «الولي الفقيه هو مَنْ يملك حق التعيين لكافة المناصب»، كما ورد في كتابه ولاية الفقيه ص 51.
وهذه الفتوى التي روَّج لها الخميني، وأضفى عليها هالة، وقدسية، تجعل ممَّن يعارضها، ولو كان من أتباع المذهب، خارجاً عن الإسلام، فـ «التكذيب بولاية الفقيه يعني التكذيب بالأئمة، وتكذيب الإسلام» على حد زعمه، صحيفة النور 9/ 160.
وفي ضوء هذا الادعاء، مضافاً إليه أن مَنْ لا يتبع هذا الزعم يكون من الكفار الأنجاس سواء كان حاكماً أو محكوماً، كما يزعم الخميني في كتابه المكاسب المحرمة، إلى غير ذلك من الهرطقات، التي تبناها هؤلاء، وتكاد لا تختلف في مضامينها عن الدعوى التي يحملها الـ «دواعش» في أيامنا هذه،
ووسط هذا الفكر، الذي يتعامل مع بقية طوائف المسلمين على أن الأخوة الإيمانية لا تشملهم، بل وينادي بوجوب البراءة منهم، ومن مذهبهم، وأئمتهم، بل و»هتكهم»، وعدم احترامهم، وإحداث الوقيعة بينهم «المكاسب المحرمة الخميني 1 / 379»، في ضوء ذلك نراه يستمر في التطاول باعتبار أن الناس كلهم «أولاد بغاة»، ما عدا شيعتهم، كما جاء في إحدى رواياتهم عن أبي جعفر كما نقلها الخميني في كتابه سالف الذكر 1/ 380. وعلى مدى عقود سابقة استطاعت تلك المزاعم أن «تعشعش» في عقول السذج من الناس داخل إيران ترغيباً وترهيباً، كيف لا وقد صنع لها الخميني داخل إيران حرساً ثورياً، يجثم على صدور الناس لدرجة أنه لم يعد بمقدور أي أحد أن يعارض هذه الأفكار حتى إن كان معمماً بعمة سوداء أم بيضاء، فالحرس الثوري لهم بالمرصاد بنفس المنهجية، التي سلكتها الشيوعية أيام حكمها بعض الدول، فمع قيام ثورة الخميني قام الملالي بإنشاء الحرس الثوري لحراسة ثورتهم، التي هي في الحقيقة حماية مصالحهم، ومنع أي انقلاب عليهم، ومنذ ذلك الحين وهم يشكلون كياناً داخل كيان وسط شعوب إيران متعددة الأعراق، وأصبح هذا الجهاز المتحكم في مجريات الأمور،
واستطاع المرشد الأعلى، بما شرّعه من حق لنفسه بالتحكم بأمر «الخمس»، أن يضمن التحكم في هذا المورد المالي الضخم تحصيلاً وتصرفاً، حتى إن التقارير تفيد أن ثروة الخامنئي تقدر بستة وتسعين مليار دولار، والخمس، والنذور وغيرهما من الموارد، ظل هذا الكيان يسخرها لأهدافه، وأغراضه الداخلية والخارجية غير مبالٍ بالوضع الاقتصادي لإيران، فعلى الرغم مما يعيشه المواطن الإيراني من أحوال حياتية صعبة، ووجود شريحة واسعة تحت خط الفقر، إلا أن الإنفاق العسكري، وتصدير الثورة، هما الشغل الشاغل للفئة المسيطرة على زمام الأمور، ظناً منها أن الطريقة التي سلكتها داخل إيران قابلة للتطبيق خارجه، ولكن الواقع خيَّب ظنهم، ففي ظل ما يتلقاه المشروع التوسعي الإيراني من ضربات موجعة، تتمثل في فشله الذريع في العراق، وسوريا، حيث لم يأتِ سوى بالدمار والهلاك لهما حينما حاول التمدد فيهما، حيث قام شعبا البلدين برفض السيطرة الإيرانية، ومَنْ سار على فلكها، أضف إلى ذلك ما لقيه أذناب ذلك المشروع في اليمن من انتكاسة، وهزيمة نكراء لم تجد معها وسائلهم الإعلامية تبريراً، تلك الوسائل التي زعمت يوماً ما بأن أربع عواصم عربية أصبحت مستباحة، ترزح تحت نفوذهم، وبالتالي شعروا بأن بداية النهاية لمشروعهم اقتربت، فالبضاعة المطلوب تصديرها للشعوب كاسدة، ومواصفاتها لا تؤهلها للتصدير، بل إنهم يشعرون الآن بأن النتائج العكسية لهذا الفشل ستعود عليهم في الداخل الإيراني يوماً ما بالهزيمة والزوال، كما كان حال المشروعين النازي، والشيوعي، اللذين يتوافقان في الأهداف والأساليب مع المشروع الإيراني الخاسر.
المصدر : صحيفة الشرق
https://www.alsharq.net.sa/lite-post?id=1417022