د. شادي محمد راضي
16 أغسطس 2016م
لقد قررت أن أكتب تجربة خاصة مررت بها، وتذوقت لذتها وهي عبارة عن قصة نجاح، عبارة عن قصة كفاح، عبارة عن حكاية؛ هذه الحكاية تتحدث عني أنا.
لقد ولدت في قرية السلامة بمحافظة القنفذة جنوب مكة المكرمة، وترعرعت في ظلالها وأفيائها بين آباء علموني وكان لهم فضل عظيم في تربيتي، درست فيها مراحلي الأولى الابتدائية ثم المتوسطة ثم الثانوية العامة، ثم حملني والدي رحمه الله تعالى إلى تربية خاصة من نوعها إلى محضن تربوي فريد إلى القصيم، إلى عنيزة تحديداً، إلى فضيلة الشيخ العلامة محمد العثيمين رحمه الله تعالى نهلت من أدبه قبل علمه فرحمات الله على قبره وعلى قبر والدي تتنزل إلى قيام الساعة.
ثم شاءت أقدار الله عز وجل بي أن منّ الله علي وحقق الله أمنية أبي رحمه الله بأن التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية وخصوصاً كلية القرآن الكريم، فالحمد لله أن حققت لأبي رحمه الله أمنيته، مرت السنوات الأربع سريعاً حتى انتهى بي الشوط الأخير والفصل الأخير من فصول الدراسة وتخرجت من الجامعة الإسلامية.
لم ينتهي طموحي إلى هنا ولم يقف الأمل هنا بل تجدد طموحي لمواصلة تعليمي لكن سرعان ما تقف أمام هذا الطموح وأمام تحقيق النجاحات عثرات وصخرات عظام وسجام تحول بين ما رسمه الانسان وخططه وبين أقدار الله الماضية، لقد كنت مستور الحال وإمكانية دراسة برسوم مالية يعتبر عائقاً فوقف أمام حلمي فترة جمود قصيرة.
لم أسمح لليأس أن يتسلل إلى حياتي، ولم أسمح للطموح أن يذبل، ولم أسمح للنجاح أن يرحل من حياتي، لأن شعلة الطموح مشتعلة، وشمعة النجاح تضيء لي الطريق ومنعطفاته المظلمة في دروب الحياة، فسرعان ما انفتحت أمامي نافذة الأمل من جديد، زرت أخاً لي ذات مساء فحكى لي عن ولادة حلم جديد وهي بوابة نجاح لعاشق يبحث عن مواصلة تعليمه فكان الحديث عن جامعة المدينة العالمية الماليزية التي تمد يدها لأمثالي في تحقق أحلامهم وتسطير نجاحاتهم.
بدأت المشوار وانطلقت في اللحاق بالركب وتسجيل اسمي ضمن كوكبة من الطلاب المتعطشين للعلم الراغبين للارتواء من فنونه، ودخلت في روضة غنّاء، وحدائق ذات بهجة في كلية العلوم الإسلامية، في قسم التفسير وعلوم القرآن الكريم في برنامج هيكل “ج” وهو عبارة عن أربعة فصول دراسية كل فصل منها بستاناً معرفياً ثم يختم بلذة بحثية لبحث تكميلي تنتهي به فصول هذه المرحلة.
لقد منّ الله علي بإتمام الدراسة ثم شرعت بكتابة البحث التكميلي لإنجاز هذه المرحلة وكان عنوانه ” العقد الثمين في التفسير الموضوعي لسورة يس” وكان المشرف علي فضيلة الشيخ الدكتور أحمد نبيه المكاوي حجير، ومناقش الرسالة أ.د السيد سيد أحمد محمد نجم وفقهما الله تعالى لكل خير وجزاهما الله عني وعن الطلاب خير الجزاء.
عندما يتاح للطالب أن يلتقي بالمربي ويجلس معه ويستمع لحديثه يعتبر جرعة من جرعات النشاط التي تسري في الجسد لتجدد الهمة وعلوها، فما بالك عندما تكون تلك اللحظات مع مدير الجامعة الموقر وأنت بين يديه؛ جمعتني به جلسة ماتعة في منزله العامر ثم انتهى اللقاء الجميل بزرع بذرة أمل جديد في طريق النجاح الطويل قائلاً لي هامساً في أذني وروحي إن شاء الله تتخرج وتُدرس في الجامعة بإذن الله.
وهنا أبوح بمشاعري التي أرغب أن يسمع ألحانها أصحاب الهمم لقد كانت الدراسة ممتعة، والمتابعة من مشايخي مستمرة، ومن الإداريين لتلبية ما يطلبه الطلاب ويحتاجونه لتذليل ما يعرض أمامهم على الدوام في الصبح والمساء على حد سواء.
ثم بدأت التأهب للمضمار الأخير والشوط الأخير سجلت اسمي في السباق لإنجاز مرحلة الدكتوراه في برنامج هيكل ” أ ” وسجلت عنوان البحث ” أصناف الناس في القرآن الكريم-دراسة تفسيرية موضوعية” وكان مشرفي المبارك أ.د خالد نبوي حجاج حفظه الله تعالى وأمد الله في عمره على طاعته.
بدأت في كتابة البحث والغوص في أسرار الكتاب العزيز الحميد مبحراً مع عالم فذّ جليل يرشدني ويوجهني ويتابعني شاحناً همتي للوصول إلى نهاية المضمار والفوز بالنياشين العلمية، فثابرت حتى سلمت البحث في حلته الجميلة وعقدت لي الكلية استراحة علمية تكون فيها مناقشة للطالب مع علماء وأساتذة القسم الفضلاء تمهيداً لقاعة المناقشة الكبرى التي يتم فيها الإعلان الأخير.
وأكرمني الله بكوكبة علمية تضاف إلى سجلي الحافل بمشايخ أشرف بهم وأسجل أسمائهم ضمن قائمة مشايخي الفضلاء الذين تتلمذت على أيديهم وتعلمت منهم فكان مناقشي رسالتي فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد عبد الرحيم محمد حسن مناقشاً خارجياً، وفضيلة الأستاذ الدكتور / عبد الفتاح محمد أحمد خضر مناقشاً خارجياً، وفضيلة الأستاذ المشارك الدكتور/ السيد سيد أحمد نجم رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة المدينة العالمية مناقشاً داخلياً حفظهم الله تعالى استفدت منهم من علمهم وأدبهم فلهم مني الدعاء بالخفاء وجزاهم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
فمن خلال دراستي في هذا الصرح العلمي القائم بدولة ماليزيا جامعة المدينة العالمية لقيت والتقيت وتتلمذت على نخبة من العلماء والمشايخ الفضلاء جزاهم الله عن كل طالب تخرج منها خير الجزاء.
ومما تعلمته ورسخ في ذاكرتي الشكر فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، لقد كان تجاوب وتسهيل فضيلة الشيخ الوالد الدكتور عبد الناصر ميلاد حفظه الله لكل من قصده إيجابياً وتوجيهاً سريعاً لخدمة طلبة العلم، فكم قضى للطلاب حاجاتهم فجزى الله فضيلته خير الجزاء وأوفر العطاء نظير خدماته الجليلة ووقفاته الجميلة.
ثم تحقق لي ما قاله لي فضيلة الأستاذ الدكتور الوالد الشيخ محمد خليفة التميمي حفظه الله تعالى بأن أكرمني الله تعالى بعد تخرجي من مرحلة الدكتوراه بأن صرت عضو هيئة تدريس متعاوناً مع هذه الجامعة الغراء المباركة، وكُلفت بتدريس مادة “التفسير خاص 5″، تم تدريبي على كيفية التعامل مع الحرم الجامعي في وضع الواجبات والمنتديات والامتحانات القصيرة، وكيفية الحضور للقاء المباشر لإلقاء المحاضرات، وكيفية كتابة الاختبارات وتصحيحها ورصد الدرجات، والساعات المكتبية لسماع سؤالات الطلاب وإشكالاتهم، فكانت تجربة رائدة وماتعة وفريدة من نوعها.
ومما لا بد أن يذكر لهذا الصرح المبارك استخدامه للتقنية وتفعليها من أجل بذل العلم ونشره، فكل ما تدخل موقع الجامعة على الويب تجد تغيراً وتجدداً مستمراً سواءً للطالب أو للمحاضر.
وهنا أسجل شهادة وشكر في حق هذا الصرح الشامخ وفي حق القائمين عليه وعلى رأسهم والدنا الشيخ الأستاذ الدكتور مدير الجامعة محمد خليفة التميمي إلى آخر موظف خلف الكواليس، فعلى مستوى الطلاب هم يحرصون عليهم لتلقيهم العلم في كل البلدان والأمصار.
وعلى مستوى المحاضرين الأكاديميين فهم يحرصون عبر قنوات التواصل على متابعتهم للطلاب وفعل كل ما يلزم على الوجه الأكمل للوصول إلى أفضل المخرجات التعليمية والكوادر العلمية، بل ويشاركون العاملين في هذا الصرح أفراحهم وأتراحهم، فما أجمل هذه المنظومة العلمية، وهذه المصفوفة المتناغمة.
فباسمي كطالب متخرج، وباسمي كعضو هيئة تدريس متعاون فيها أدعو كل من يسمع عن هذا الصرح أن يدعمه بكل أنواع الدعم، وأن يقف معهم لإتمام مشروعهم ونجاحه، ومن أراد أن يسمع عن الصرح المبارك منذ إنشائه وانطلاقته فليجعل الأرقام والإحصائيات هي التي تتحدث وهي فعلاً تسر الناظرين والزائرين.
وفي ختام مقالي هذا أدعو بظهر الغيب لكل القائمين بهذا الصرح الشامخ القائم بدولة ماليزيا بأن يحفظهم الله على الدوام، وأن يعلي منزلتهم في الدنيا والآخرة، وأن يوفقهم لما فيه صلاح الدنيا والآخرة، وأن يوفقهم لخدمة العلم وأهله في كل مكان وصل اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.