ثوابتنا ضد المزايدة

صورة التميمي

لا شك أن تشخيص الداء هو الطريق الأسلم إلى معرفة الدواء، فالتشخيص الخاطئ يتسبب بلا محالة في وصف العلاج الخاطئ.
ولعل أخطر داء نواجهه في هذه الأيام هو داء الانحراف الفكري وما نتج عنه، وهو داء عظم خطره وازداد ضرره، وما نراه من محاورات ومحاولات لتشخيص ظاهرة الانحراف الفكري لدى الشباب ينحو أكثرها إلى أحكام مسبقة، يحاول هذا الفريق أو ذاك أن يرجع الأمر إليها في مغالطات أو مزايدات، هي في مؤداها لا تسهم إلا في تضليل الرأي العام والجهات ذات العلاقة عن تلمس الداء الحقيقي. فمن قائل إن التدين والدين برمته هو السبب في هذا الأمر، وبالتالي يدعو إلى محاربة مظاهر الدين ومحاربة كل ما له صلة به. وإلى قائل آخر يرمي أن الدعوة التي قامت عليها هذه البلاد منذ الدولة السعودية الأولى هي السبب في ذلك، وقائل أخير يشخص أن مناهج التعليم التي تدرس في مدارسنا هي السبب في ذلك.
ونسي وتناسى هؤلاء أنهم بذلك يشككون في ثوابت هذه البلاد، التي لا يمكن أن تحيد عنها، التي يؤكدها حكامها في كل مناسبة عامة أو خاصة، وقد يدرك هؤلاء أو لا يدركون أنهم بمقولاتهم تلك يعيشون في خندق واحد مع دعاة التفجير والتكفير.
فالدولة دولة التوحيد، عليه تم بناؤها وقامت ركائزها، منذ أن تعاهد الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله- تعالى على ذلك.
وعلى مدى القرون التي مضت والأجيال التي انقضت، حملت هذه الدولة في عصورها الثلاثة وحمل معها الحاكم والمحكوم وسطية الإسلام، القائمة على الكتب والسنة والسير على فهم سلف الأمة، وكان لذلك أثره على أهل هذه البلاد وامتد ذلك إلى كثير من بلاد العالم. فالدولة وما يتبعها من أجهزة علمية كالجامعات ومدارس التعليم العام وما تم إنشاؤه من مؤسسات كهيئة كبار العلماء ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة العدل وغيرها من الهيئات والمؤسسات، تسير في هذا الطريق الواضح الثابت دون أي تغير في المواقف أو انحراف عن هذا النهج، وهذا متوارث جيلاً بعد جيل بحمد الله وتوفيقه.
فإذا كانت مؤسسات الدولة بحمد الله سائرة على نهج التوسط والاعتدال، فهذا يؤكد سلامة نهجها وسلامة الدعوة التي قامت الدولة على ركائزها، فلذلك لا مجال لمن يزايد على هذه الثوابت ويرمي الدعوة أو مناهج التعليم أو هيئة كبار العلماء أو غيرها من المؤسسات بتهم لا تمت للحقيقة بصلة.
ولست هنا في موقف الراد على أولئك، ولكن المقام هنا هو مقام تشخيص الداء لعله يسهم في إيجاد الدواء.
ونحن نعلم أن أي مجتمع كان قد يخرج فيه من يحيد عن هذا الطريق وعن هذا النهج المعتدل، ولكنه خروج أفراد لا خروج أمة بأكملها كما يحاول أن يصوره بعضهم.
فأولئك الذين يتبنون الأفكار المنحرفة، ليسوا من أهل العلم الذين يشار إليهم بالبنان، فمن يقوم بأعمال التخريب والتفجير ومن ينتمي للفكر المنحرف، من أهم أوصافهم أنهم شباب حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، وبضاعة هؤلاء من العلم قليلة وانحرافهم ناتج عن فهم فاسد وتصورات خاطئة، ومثل هذه الأفهام موجودة في كل زمان ومكان، وأولئك الشباب المغرر بهم لا يقيمون وزناً للعلماء، بل إنهم يتهمونهم بأبشع الأوصاف والألقاب التي يغذيهم بها أصحاب الفكر المنحرف، الذي تقع مراكز قيادته خارج هذه البلاد، فمن تلك القيادات يتلقون أوامرهم فهم تبع لهم يرددون عباراتهم وفكرهم، ومن هذه الأوصاف وغيرها يستنتج أن الحاجة ماسة إلى تحصين شبابنا ضد الأفكار المنحرفة بشتى أنواعها، وأن المعالجة تكون وفق الرؤية التي تسير عليها قيادة هذه البلاد، من تتبع منابع ذلك الفكر والقضاء عليه بأنواع شتى من الأساليب والأدوات، وكذا السير بطرق متنوعة تتناسب مع حال من وقع في هذا النوع من الانحراف، ويتوج ذلك تماسك القيادة مع بقية أبناء هذا الوطن بلحمة جنبت البلاد ما تعيشه بعض الدول من اضطراب والإخلال بالأمن، فحفظ الله بلادنا وأدام عليها نعمة الأمن والاستقرار.

المصدر: صحيفة الشرق

http://www.alsharq.net.sa/2015/09/15/1405466

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Sahifa Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.